قواعد طب الأبدان :
إن قواعد طب الأبدان ثلاثة : حفظ الصحة ، والحمية عن المؤذي ، واستفراغ المواد الفاسدة . فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة ، في هذه المواضع الثلاثة ؛ فقال في آية الصوم (( فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ : فعدةٌ من أيامِ أُخر )) سورة الأحزاب الآية /32 ؛ فأباح الفطر للمريض : لعذر المرض ؛ وللمسافر : طلباً لحفظ صحته وقوته ؛ لئلا يذهبها الصوم في السفر : لاجتماع شدة الحركة ، وما يوجبه : من التحليل وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل ؛ فتخور القوة وتضعف . فأباح للمسافر الفطر : حفظاً لصحته وقوته عما يضعفها .
استفراغ الرديء :
وقال تعالى في آية الحج : (( فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك )) سورة البقرة الآية /196
فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه -: من قمل ، أو حكة ، أو غيرهما – أن يحلق رأسه في الإحرام : استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه ، باحتقانها تحت الشعر . فإذا حلق رأسه ففتحت المسام ، فخرجت تلك الأبخرة منها : فهذا الاستفراغ ؛ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه .
حبس الأدواء :
والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة : الدم إذا هاج ، والمنيُّ إذا تتابع ( وردت في الزاد (( السبغ )) ) والبول والغائط ، والريح ، والقيء ، والعطاس ، والنوم ، والجوع ، والعطش . وكل واحد – من هذه العشرة – يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه . وقد نبه سبحانه وتعالى باستفراغ أدناها – وهو : البخار المحتقن في الرأس - . على استفراغ ما هو أصعب منه ؛ كما هي طريقة القرآن : التنبه بالأدنى على الأعلى .
الحمية :
وأما الحمية ، فقال تعالى في آية الوضوء : (( وإن كنتم مرضى ، أو على سفرٍ ، أو جاء أحدٌ منكم من الغائط ، أو لامستم النساء ؛ فلم تجدوا ماءً : فتيمموا صعيداً طيباً )) سورة النساء / الآية : 43
فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب : حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه . وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذٍ له من داخل أو خارج .
فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب الثلاثة ، ومجامع قواعده .
ونحن نذكر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ونبين أن هديه فيه أكمل هديٍ .
طب القلوب :
فأما طب القلوب ، فمسلَّم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم ( الإيمان بالله ورسله يبعث الطمأنينة في القلب . والطمأنينة تمثل الوقاية الحقيقية من معظم الأمراض النفسية ) ...
فإن صلاح القلوب : أن تكون عارفة بربها وفاطرها ، وبأسمائه وصفاته ، وأفعاله وأحكامه ؛ وأن تكون مؤثرةً لمرضاته ولمحابِّه ، متجنبة لمناهيه ومساخطه . ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ؛ ولا سبيل إلى تلقِّيه إلا من جهة الرسل . وما يظن -: من حصول صحة القلب بدون اتباعهم . – فغلط ممن يظن ذلك . وإنما ذلك : حياة نفسه البهيمة الشهوانية ، وصحتها وقوتها . وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل ومن لم يميز بين هذا وهذا : فليبك على حياة قلبه : فإنه من الأموات ؛ وعلى نوره : فإنه منغمس في بحار الظلمات
انتظرونا في الحلقة القادمة إن شاء الله
تحياتي